اللاذقية ضائعة

إن أقدم اسم لمدينة اللاذقية وصل إلينا عبر كتب التاريخ والمخطوطات والمراجع هو "رامّيتا" أي مرتفعة وذلك لأنها من المدن القليلة المرتفعة عن سطح البحر وتطل عليه أما هذه التلة فواقعة حالياً في المرفأ مقابل كنيسة اللاتين وبعد ذلك وفي القرن الرابع قبل الميلاد سَّماها أحد قواد "الإسكندر الأكبر" ويدعى "سلوقيوس نيكاتور" "بلاوذيكيا" نسبة لأمه "لاوديسا" وفق الأسطورة الشهيرة كما سمى "أنطاكيا" باسم والده "أنطوخيوس" و"أفاميا" باسم زوجته و"الأسكندرونة" باسم قائده الأعلى وهذا ما عرف باسم "الدولة السلوقية", تغيرت أسماء المدينة مرات عدة , لاليش, هيلادوروس, أمانثا, راماواتاس (الإله السامي), الشاطئ الأبيض, ...... . ولا تبخل علينا أبداً كتب التاريخ إذ تزودنا بما هو نفيس عن هذا البلد حيث معقل الأبجدية الأولى في مملكة أوغاريت التي تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد وكيف أنها دعيت بلاذقية العرب لتمييّزها عن اللاذقيات الست غيرها فهي عروس الساحل وقلب المتوسط النابض فهي المحافظة العربية الأقرب على ساحل البحر الأبيض المتوسط من تركيا فأوروبا وبمكن أن تعدّ لذلك صلة وصل الشرق بالغرب جغرافياً وحدودياً على ساحل البحر.
أخرجت العديد من الرجالات ليس آخرهم السيد رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد ووالده القائد الخالد حافظ الأسد والعديد من الشعراء والأدباء والعلماء والمفكرين والمؤرخين ورجال الدين والاقتصاد والفكر فهي زهرةٌ فاح عطرها ليعطي المسكونة جمعاء لما أعطت وقدّمت من شخصيات سيرهم تعبق بها موسوعات الأعلام والمعاجم ومن الجدير بالذكر سلل الحياة الثقافية من إصدار جرائد ومجلات وصحف وكتب منذ مطلع القرن العشرين.
مرةً أضرب عمَّال التبغ عن العمل احتجاجاً فرفعوا التبغ إلى السقف وبعد أسبوعين اصطلحت الأمور فعادوا للعمل وإذ بالدخان قد تخمر مطعناً بالجو الرطب مما آل إلى تعجب المستهلكين وخصوصاً التجار الأجانب فعندما استفسروا وعرفوا السبب طالبوا بإعادة التصنيع على النحو عينه مما عرف لاحقاً بالتبغ اللاذقي وذلك على الصعيد العالمي حتى اليوم.
تشتهر المحافظة بالحمضيات والزيتون ... وغير ذلك من المزروعات أسوة بعمل الأعمّ الأغلب من أبناء البلدة بالبحر سواءً بالصيد أم بالمرفأ والحياة الاجتماعية متوسطة الحال معيشياً.
هذه وغيرها من المعلومات والوقائع تشكل بالنسبة لي اللاذقية التي أحبّ وأعشق ليس كما عرضت اللاذقية في المسلسل الهزلي "ضيعة ضايعة"حيث يوجد فرق بين الكوميديا والهزل كالفرق بين الضحك والقهقهة لا بل هناك نوع ثالث يسمى الكوميديا الهادفة التي تسعى إلى إيصال الضحكة من خلال الحكمة وليس النكتة إلا أن هذا كله يأتي في مرحلة لاحقة تعقب إنتاج فيلم أو مسلسل تاريخي توثيقي عن المدينة وإن كان ولا بد أن يُشار إلى الكلمات المستخدمة في الأحياء الشعبية في المدينة والتي تعود بأصولها إلى اللغة الأوغاريتية .
قرأت مرّةً تهجماً من قِبَل صحفي ما في جريدة الوحدة سنة 2006 على "فارس كرم" وأغنيته "التنورة" فإذا اعتبرناها هزل فمن باب الأولى اعتبار "ضيعة ضايعة" هزل لأنه يشكل مسماراً يلصقنا بتابوت جهلنا وضحالتنا المعرفية حول مدينتنا الحبيبة اللاذقية وإلا فعلينا ألّا نتساءل لماذا المراكز الثقافية فارغة من القراء خلا الباحثين من الطلاب كيف لا ونحن نلعب دوراً سلبياً في عدم توعية أطفالنا إلى أهمية القراءة والبحث عن تاريخ وتراث المدينة الشيق بدلاً من أن يتسمروا وراء التلفاز ليروا مالا يناسب تكوين لغتهم الذهنية والفكرية فلماذا لا يُطبَع من الكتب عن المدينة سوى ثلاثة الآلاف بالحدّ الأقصى لاينفد الكتاب إلّا بعد خمس أو ست سنوات من أن عدد السكان حوالي المليون والنصف المليون نسمة بينما مسلسل الهزل "ضيعة ضايعة" يُلاقي كل هذا الرواج, هل الهوّة من تصطناع المنتج (مسلسل أو كتاب) أم ضيعة المتلقي(قارئ أو مشاهد) هذا سؤال برسم كلٍّ منا